حكم ظالم حوّل حياة الأميركية ديبي ميلكة إلى جحيم، إذ بقيت بسببه في السجن (22عاما)، والأخطر من ذلك أنه أوصلها إلى غرفة الإعدام عدة مرات، قبل ان يجري استنئاف للحكم فبراءة، ورغم تأقلمها مع الحياة خلف القضبان، إلا أنها خرجت بأضرار جسدية ونفسية.
أمضت ديبي ميلكة 22 عاما في الحبس الانفرادي مع المحكومين بالاعدام في ولاية اريزونا الأميركية، بعد ادانتها بالتآمر على قتل ابنها. وتحدثت ميلكة المولودة في برلين، بعد صدور قرار ببراءتها، عن حياتها في ردهة المدانين الذين ينتظرون تنفيذ حكم الاعدام وعن حياة دمرها حكم ظالم.
ذات يوم شتائي بارد نُقلت ديبي الى سجن ولاية اريزونا، ومن نافذة سيارة الشرطة التي نقلتها، القت آخر نظرة على البيوت والأشجار التي لن تراها مرة أخرى إلا بعد نحو ربع قرن.
انزلها ضباط الأمن من السيارة امام السجن ذي الحراسات الشديدة، وتتذكر ديبي ان يديها وقدميها كانت مقيدة بالأصفاد، ولم تتمكن من المشي إلا بخطوات طفل صغير.
وُضعت ديبي في الزنزانة رقم 265 بالحبس الانفرادي، وخلف الباب الأزرق، وفي مساحة 86 قدما، وجد سرير وتواليت، ومغسلة وجدران تغطيها كتابات نزلاء سابقين. وتقول ديبي في مقابلة مع مجلة شبيغل ان الضوء كان كابيا ورائحة الاسمنت والغبار تفوح، ولكن اسوأ ما في الأمر كان الضوضاء، فان زنزاتها تقع فوق جناح النزلاء الانتحاريين. وكانت تسمع باستمرار نحيب السجينات اللواتي تحتها.
وكان عليها ان تتعرى لتفتيشها كلما تغادر الزنزانة للاستحمام أو للتمرن في الباحة. وتشرح ديبي البالغة من العمر الآن (51 عاما) وذات شعر ابيض وبشرة شاحبة لم تتعرض لضوء الشمس إلا لُماما، كيف كان يجري تفتيشها وهي عارية مادة ذراعيها على جانبيها وتديرهما ثم ترفعهما فوق رأسها كاشفة أُبطيها، وتفتح فمها وتمد لسانها الى الخارج. ثم تطوي اذنيها واخيرا تستدير وترفع شعرها وتنحني ثم تفتح ردفيها وتتنحنح ثلاث مرات لإسقاط أي شيء تخفيه في شرجها ثم تكشف باطن قدميها قبل ان يُسمح لها بالخروج.
العدالة المتأخرة
ما زالت ديبي ترتدي سوارا الكترونيا على كاحلها، انه يوم 22 آذار (مارس) 2015. وفي اليوم التالي سيتعين على ولاية اريزونا ان تعترف أخيرا بأنها بريئة من الجريمة البشعة التي أُدينت بارتكابها، وان الولاية هي التي أجرمت بحقها.
وبحسب التهمة التي أُدينت بها، فانها تآمرت مع صديق لقتل ولدها ذي الأربع سنوات كريستوفر في صحراء اريزونا. وأدانتها هيئة المحلفين رغم عدم وجود أدلة دامغة ضدها، بل حسمت مصيرها شهادة شرطي مشكوك في نزاهته.
استئناف أنقذ حياتها
في 18 كانون الثاني (يناير) 1991 اصدرت محكمة على ديبي حكما بالاعدام، ولولا استئناف الحكم لنفذ الحكم عليها في 29 كانون الثاني (يناير) 1998، وفي هذه الفترة كانت بروفات تُجري لإعدادها ليوم اعدامها.
تقول ديبي في حديثها لمجلة شبيغل انهم يسمونه اختبار الموت، بالكرسي الكهربائي أم الحقنة القاتلة، وماذا يفعلون بجثتها؟ وعندما يُحدد موعد تنفيذ الحكم يتعين على المحكوم ان يجيب عن الكثير من الأسئلة “وهذا وحده يكفي للموت من الخوف”، على حد تعبير ديبي.
بروفة الإعدام
وتقول ديبي إن البروفة على الاعدام تتضمن تفتيش الزنزانة كل مساء للتأكد من انها لا تخفي شيئا يمكن ان تستخدمه لقتل نفسها، ثم زارها فجأة طبيب ربط ذراعها بانبوب مطاط وتحسس كوعها بأصابعه. وحين سألته عما يفعله أجاب انه يتوثق من سلامة شرايينها لاستقبال السائل القاتل عندما تُحقن به.
26 ثانية مقابل 22 عاما
وفي يوم الاثنين 23 آذار (مارس) 2015 اعلنت القاضية بعبارة استغرق التفوه بها 26 ثانية براءة ديبي من الجريمة التي أُدينت بها. 26 ثانية بعد 22 عاما قضتها في ردهة المحكومين بالاعدام تنتظر يوم التنفيذ.
وكانت امضت فترة توقيفها قبل تلك المحاكمة المشؤومة في ردهة التحليل النفسي، بعد اصابتها بالكآبة ونوبات من الهلع. وكانت لا تتحدث عمليا إلا مع محاميها وطبيبها النفسي الذي علَّمها كيف تتنفس عندما تنتابها نوبة هلع.